أهم مصادر السيرة النبوية العطرة " هام جداً "
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهتم المسلمون قديماً وحديثاً بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارها المنهج العملي للإسلام ، فألف أئمة الإسلام مؤلفات عديدة وجامعة في سيرته عليه الصلاة والسلام ، ودونوا كل مايتعلق بذلك ، والناظر في المكتبة الإسلامية يرى ذلك جلياَ بحمد الله .
يقف القرآن الكريم في مقدمة مصادر السيرة ، ففيه بيان واضح للعقيدة والشريعة والأخلاق ، ويتضمن وصفاً للعديد من الأحداث والغزوات ، وتصويراً للصراع الفكري والمادي بين الإسلام وخصومه ، وله أهمية خاصة من حيث الثبوت المطلق دينياً وتاريخياً ، حيث لا يشكك أحد فيه من الناحية التاريخية ، وإن اختلفت الآراء بين المسلمين وغيرهم حول مصدره .
ويلي القرآن في الأهمية كُتُب الحديث المتنوعة ما بين الكتب المرتبة على الأسانيد والكتب المرتبة على الموضوعات الفقهية ، وهذه الكتب تقدم مادة واسعة ، وتحتوي على تفاصيل كثيرة متصلة بالحياة الإجتماعية والإقتصادية والتربوية ، وتوضح جذور النظم الإسلامية وكيفية تطبيق التشريعات الأولى قبل أن يُحاط النص بتفسيرات الفقهاء واجتهاداتهم العديدة.
وتمتاز المصادر الحديثية بأنها أوثق رواة وأدق متوناً من كتب السيرة المتخصصة ، وهذا بالجملة ، وينطبق هذا الوصف بدقة على الكتب الستة وفي مقدمتها الصحيحان .
وإضافة لما سبق فإن كتب الحديث وشروحها تناولت المغازي والأحداث التاريخية ، وقدمت معلومات غزيرة في هذا المجال.
كما أن السيرة تستقي من كتب أسباب النزول والناسخ والمنسوخ في القرآن ، وكتب التفسير وفي مقدمتها (( تفسير الطبري )) و (( تفسير ابن أبي حاتم الرازي )) ، حيث أن التفسيرين يسوقان الروايات بالأسانيد مما يخدم توثيق النصوص على طريق المتابعات والشواهد ، ومعرفة اختلاف المخارج بالنسبة للمراسيل .
ومن الجدير الإنتباه إلى كتب علم الرجال التي تدخل ضمن كتب علوم الحديث ، والتي تقدم تفاصيل مهمة عن حياة الرواة ومدى تمتعهم بثقة معاصريهم ومن بعدهم ، حيث أن نقد الروايات الحديثية ، وروايات كتب السيرة من الناحية الإسنادية يتوقف على هذه المؤلفات الرجالية بالإضافة إلى كتب مصطلح الحديث التي تبين بتفصيل كيفية استعمال هذه المعلومات .
ومن الجدير بالإنتباه ايضاً أن مصطلح التاريخ الحديث ( الميثودولوجي ) يلتقي مع منهج مصطلح الحديث في محاولة الوقوف على أحوال الرواة ودوافعهم والمؤثرات المحيطة بهم سواء أكانت شخصية أم اجتماعية .
وتمتاز كتب السيرة المتخصصة بسهولة العرض ، وتتابع الأحداث التأريخية واتصالها، ومراعاة الزمن في سردها ، كما أنها تقدم وصفاً مفصلاً للأحداث بحكم تخصصها ، وقد فقد العديد منها مثل مغازي عروة بن الزبير ،وموسى بن عقبة ، والزهري ، ولكن ما اقتبسته المصادر اللاحقة يوضح الهيكل والأسلوب ومستوى الدقة .
وتعد سيرة ابن اسحق أوثق كتب السيرة المتخصصة التي وصلت إلينا بتهذيب ابن هشام بالإضافة إلى القطع الأصلية منها ، والتي نشرت خلال العقدين الأخيرين ، فهو حجة في المغازي كما صرح الذهبي ، رغم ما ذكره النقاد المحدثون من وجود المناكير والعجائب في رواياته ، إذ أنهم قبلوا من أحاديثه في أمور العقيدة والشريعة ما صرح فيها بالتحديث ولم يدلس ما لم يخالف من هو أوثق منه ، واعتبروها في مرتبة " الحسن " الذي يحتج به .
وقد حظت رواية البكائي لسيرة ابن سحق بالقبول لأنه اعتمد نسخة منقحة ، خلافاً لرواية يونس بن بكير الذي اعتمد نسخة قديمة .
أما المصدر الآخر من كتب السيرة فهو مغازي الواقدي ، وقد رفض النقاد من المحدثين قبول مروياته ، ولكن المؤرخين اهتموا بها لغزارة معلوماته ، وتقديمه تفاصيل كثيرة ينفرد بها ، سواء في وصف الغزوات ، أو تحديد تواريخ الأحداث بدقة ، وهذه الدقة ، تثير الشك في صدقه .
والملاحظ من إستقراء مغازيه أنهيسوق روايات كثيرة بأسانيد فيها رواة لا نجد لهم تراجم في كتب علم الرجال ، في حين أن نُقُول ابن سعد عنه في الطبقات الكبرى منتقاة . ونجد تراجم رجال الأسانيد في المصادر المعنية .
وثالث كتب السيرة المهمة هو الطبقات الكبرى لمؤلفه محمد بن سعد ( ت .230هـ) وكان كاتباً للواقدي ، مما جرَّ إلى اتهامه بسرقة مصنفاته ، ولكن المحدثين النقاد رفضوا هذه الاتهامات ووثقوه ، كما أن التحقيق والاستقراء لكتابه يكشف عن كونه مؤلفاً أصيلاً ، وأن رواياته عن الواقدي - وقد صرح بالنقل عنه ـ لا تمثل معظم الكتاب الذي استقى مادته من شيوخ عديدين .
وينبغي أن يُعتبر القسم الأول من أنساب الأشراف للبلاذري هو المصدر الرابع من حيث الأهمية والقِدم . أما الطبري فإن جلَّ اعتماده على ابن اسحق، وإن أضاف روايات من مصادر أخرى .
ومن المفيد الإشارة إلى أن مصادر متأخرة نسبياً مثل ( الدرر في اختصار المغازي والسير ) لـابن عبد البر القرطبي ( ت 463 هـ ) و ( جوامع السيرة ) لابن حزم ( ت 456هـ) ليست إلا أصداء للمصادر القديمة ، ولكن المصادر التي تلتها زمنياً استقت من كتب الحديث إلى جانب كتب السيرة المتخصصة، ويبدو هذا المسلك واضحاً عند ابن سيد الناس في ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ) و الذهبي في ( السيرة النبوية ) و ابن كثير في قسم السيرة من كتابه ( البداية والنهاية )، لكن الأخيرين أبديا ملحوظات نقدية مهمة عن الأسانيد والمتون .
و الإتجاه نحو الجمع الواسع -كما هو شأن المتأخرين في الحقول الثقافية الأخرى- يظهر عند محمد بن يوسف الدمشقي الشامي ( ت 942هـ) حيث انتخب من ثلاثمائة كتاب في سيرته ( سُبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ) .
ولا ينبغي في نهاية الأمر أن نغفل أهمية كتب الدلائل والشمائل ، ومن أوسعها (دلائل النبوة ) للبيهقي ، وكذلك كتب الخصائص ، ومن أهمها كتاب ابن الملقن (غاية السول في خصائص الرسول ) وكتاب الخيضري الدمشقي ( ت 894هـ) ( اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم ) .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
والله الموفق والمستعـــــــان